تداولت وسائل الإعلام الأمريكية بشكل واسع، استهداف الولايات المتحدة قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للجيش السوري بمحافظة حمص، صباح اليوم الجمعة، ردًا على قصف الأخير “خان شيخون” في إدلب بالأسلحة الكيماوية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جيف ديفيس، إن قواتها نفّذت هجوماَ “باستخدام صواريخ توماهوك للهجمات البرية، انطلقت من المدمرتين يو اس اس بورتر ويو اس اس روس، شرق البحر المتوسط”.
وأوضح المتحدث أن 59 صاروخاً استهدفت “طائرات وملاجئ الطائرات ومستودعات للوقود والدعم اللوجستي ومستودعات الذخائر ونظم الدفاع الجوي واجهزة الرادار”.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن قرار شن الضربة العسكرية في سوريا جاء بعد مداولات استمرت لثمان وأربعين واشنطن بين المسؤولين الأميركيين. وقالت إن مسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض عقدوا مساء الأربعاء جلسة استمرت حتى وقت مبكر من الخميس كما أن وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيليرسون ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر تواصلوا مراراً منذ الهجوم الكيميائي يوم الثلاثاء.
وتحدثت الصحيفة عن انقسام بشأن الضربة. وفي هذا الإطار نقلت عن مسؤولين أميركيين رفضوا الكشف عن اسمهم أن من بين المسؤولين من طالب بالقيام بعمل فوري ضد الأسد بيد أن آخرين أعربوا عن مخاوفهم من تأثيرات مثل هذا الأمر تحديداً ما هو مرتبط برد روسيا في ظل منظومات الدفاع الجوي التي سبق أن نشرتها في سوريا.
من جهتها نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أميركي أن ترامب ومسؤولين آخرين كانوا على علم في وقت مبكر من يوم الخميس بأن المهمة ستنفذ بعد أن ابلغ وزير الدفاع جيمس ماتيس ترامب بذلك، لكن الخطة لم تأخذ شكلها النهائي حتى منتصف النهار.
أما وأنّ الضربة قد حصلت فإن المشكلة الكبيرة اليوم وفق واشنطن بوست هو ما سيليها وتحديداً ما هو مرتبط برد روسيا. إذ إن الاختلاف الكبير بين 2013 حين هدد الرئيس الأميركي باراك أوباما بتوجيه ضربات ضد الأسد واليوم هو أن مخاطر اتساع الصراع أكبر بكثير.
الفارق الكبير هو أن ترامب وقيادته العسكرية يواجهان اليوم حضور القوات الروسية في الميدان ومنظومات الدفاع الجوي الروسية القادرة على إسقاط الطائرات الأميركية. اليوم القوات الروسية متشابكة مع القوات السورية وأي ضربة على هدف عسكري سوري يمكن أن يتسبب بخسائر عسكرية روسية.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال المتقاعد جون آلن المنسق السابق للتحالف ضد داعش في العراق وسوريا في عهد إدارة أوباما “إن الغارات العسكرية كانت ستكون حاسمة لجهة تأثيرها على الحرب لو شنت في 2013 لكنها اليوم تبدو أكثر صعوبة”. وقال إن على الإدارة الأميركية أن تطرح على نفسها السؤال التالي: ما هي حدود غضبنا تجاه هذه المسألة؟ هل نحن مستعدون للقيام بعمل حتى مع إمكانية التسبب بمقتل روس؟
في ما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي الروسية والسورية فإنها لم تستهدف حتى الآن الطائرات الأميركية لكون الأخيرة تركز بشكل كبير على قتال داعش العدو المشترك للولايات المتحدة والنظام السوري.
وفق اندرو أكزوم المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية في عهد أوباما فإن “الطائرات الأميركية وطائرات التحالف لطالما حلّقت فوق هذه المنظومات على مدى السنتين الماضيتين وبالتالي في حال شنّ غارة سيكون لدى النظام كل المبررات لبدء ضرب طائرات التحالف بواسطة هذه المنظومات”. وأضاف أكزوم إن أي خطوة مماثلة من قبل السوريين والروس يمكن على الأقل أن تخيف شركاء التحالف وتدفعهم نحو الانسحاب من المعركة.
أمام هذه المخاوف خلصت “واشنطن بوست” إلى أن “بوسع ترامب تخفيف بعضها من خلال طمأنة الروس بأ الغارات هدفها فقط معاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية وليس اخلال التوازن في الحرب الاهلية على نطاق واسع″ مضيفة أنه من المحتمل أن تمنح هذه الغارات الولايات المتحدة نفوذاً إضافياً من أجل التوصل إلى تسوية مع الروس تنهي الحرب الأهلية في سوريا وفق ما يقول بعض المحللين.
اما صحيفة “نيويورك تايمز″ فقد رأت بدورها أن الاختبار الحقيقي لترامب هو ما بعد الضربة. وقالت إن على الرئيس الأميركي منع أو تقليص أي عواقب محتملة غير مقصودة لاستخدام القوة بما في ذلك تعقيد الحملة العسكرية ضد داعش. ورأت أن كل ذلك يتطلب أمراً لم تعره الإدارة الأميركية حتى الآن الاهتمام الكافي وهو “الدبلوماسية الذكية”.
هذه الدبلوماسية وفق الصحيفة الأميركية تبدأ مع روسيا. الإدارة الأميركية أبلغت موسكو مسبقاً بالغارة، بحيث إن الساخرين قد يخرجون بمقولة إن الولايات المتحدة حذرت مسبقاً سراً الروس وحذروا الأسد من عدم الإقدام على أي رد فعل، ورجحت الصحيفة أن الإدارة الأميركية أرادت أن تتأكد من معرفة موسكو بما ننوي القيام به بحيث تبقي قواتها بمنأى عن الأذى ولا تبالغ في ردّة الفعل.
وقالت “نيويورك تايمز″ إن على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحمّل الأسد مسؤولية تصرفاته وأنها ستحشد الآخرين من أجل القيام بالمثل وشنّ ضربات في حال كانت هناك ضرورة لذلك. على الولايات المتحدة أيضاً ربط التعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب ببذل روسيا جهوداً “لكبح جماح نظام الأسد” ودفعه نحو مفاوضات حقيقية مع المتمردين. ورأت الصحيفة أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو الأسبوع المقبل ستكون محورية في إيصال هذه الرسالة وضبط مخاطر أي تصعيد مع روسيا.
وتابعت الصحيفة أن على ترامب أيضاً التنبه إلى النتائج السلبية لأفعاله خصوصاً على حملته ضد داعش، كما أن على إدارته إقناع موسكو بعدم تعقيد عمل الطيارين الأميركيين في الأجواء السورية، فضلاً عن ضرورة تحذيرها إيران من عدم الانتقام من خلال إطلاق “ميليشياتها” ضدّ الجنود الأميركيين في العراق.
في المقابل تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” عمّا رأتها فرصة لترامب من خلال الضربة العسكرية. وقالت “إن كل عملية عسكرية تنطوي على مخاطر لكن هذه العملية قد تكون لها أيضاً فوائد هامة على المستوى السياسي والاستراتيجي في حال أتبعها ترامب بدبلوماسية قوية.
وأضافت إن على ترامب أن يجعل روسيا وإيران تبدآن بدفع ثمن دعمهما للأسد مشيرة إلى أن لا حافز لديهما للتفاوض حول إنهاء الحرب الأهلية لأنهما تريان نفسيهما على طريق الانتصار الخالي من أي تكلفة تقريباً، وبالتالي فإن هذه الحسابات قد تتغير حين تريان ارتفاع تكلفة تدخلهما.
“وول ستريت جورنال” قالت إن على إدارة ترامب أن تفكر في شكل الحلّ طويل الأمد الذي تريده في سوريا والذي يمكن أن يكون التقسيم على إلى جيوب عرقية، لكن فرص الوصول إلى هذا الحل ستكون أكبر في حال امتلاك المعارضة مناطق آمنة وعدم قدرة الأسد على الإفلات من العقاب.
الأمر الأهم الذي يتوجب على ترامب الاعتراف به وفق الصحيفة هو أنه “خضع للاختبار”، إذ إن الصديق والعدو يراقبان ردّه. الضربة العسكرية السريعة التي حصلت في الوقت الذي كان يتناول فيه العشاء مع الرئيس الصيني توضح أن حقبة أوباما قد انتهت. وخلصت “وول ستريت جورنال” إلى أنه “في حال واصل ترامب العمل من أجل حماية المدنيين السوريين وبناء تحالف ضد الأسد، قد يجد أن الإمكانيات الاستراتيجية الجديدة مفتوحة لتعزيز المصالح الأميركية وجعل الشرق الأوسط أكثر استقراراً” على حد تعبير الصحيفة.