ثمة سكان يبلغ عددهم نحو مليون شخص يعيشون مع الرعب في الوقت الراهن، وهم يواجهون الغضب الأعمى من حكومة غير مبالية لا يبدو أنها تعترف بحقهم في البلد الذي دعوه دائماً الوطن. وقد ازدادت حدة الأزمة على طول الحدود بين بورما وبنغلاديش بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي، حيث فر أكثر من 125 ألف شخص من طائفة الروهينغا المسلمة من أمام هجوم عسكري بورمي فى ولاية راخين المضطربة، وفقاً لما ذكرته منظمات الإغاثة. وتستمر التقارير في التدفق عن عمليات القتل الجماعي التي تنفذتها قوات الأمن البورمية في حقهم، بالإضافة إلى التعذيب، والاغتصاب والتدمير المنهجي لبيوتهم وقراهم.
تقول السلطات البورمية إنها تقوم بعمليات “تطهير” ضد متمردين “بنغاليين” متطرفين – و”بنغالي” هو مصطلح تستخدمه الحكومة البورمية للإيحاء بأن الروهينغا هم من المتسللين الأجانب بدلاً من كونهم بورميين أصليين. وقد أدانت مجموعة متزايدة من الزعماء المسلمين فى جميع انحاء العالم أعمال حكومة بورما، التي وصفها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بـ”الإبادة الجماعية”.
في عين العاصفة، ثمة أونغ سان سو كي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والناشطة البورمية التي حظيت بالحفاوة والإشادة منذ وقت طويل، وأصبحت الزعيمة المدنية بحكم الأمر الواقع في البلاد (تم منعها رسمياً من تولي الرئاسة، لأن أفراد عائلتها من المواطنين الأجانب). وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، احتلت سو كي مكانة مقدسة في الخيال العالمي كسجينة سياسية، وبطلة للديمقراطية، ومعارضة بلا هوادة للمجلس العسكري الوحشي الذي سيطر على السياسة البورمية. وكانت، في الأساس، أشبه بنيلسون مانديلا في آسيا، وصورة للكرامة والسلطة الأخلاقية.
أتذكر حضوري حفلاً فخماً في نيويورك، والذي أقيم تكريماً لها في العام 2012، وحظيت خلاله بتكريم هنري كيسنجر وغيره من النجوم الأميركيين. وقد أشاد كيسنجر بها في ذلك الوقت باعتبارها مثالاً على كيف “تصبح المجتمعات عظيمة عندما تتحول من المواجهة إلى المصالحة”.
ولكن، عندما يتعلق الأمر بالروهينغا، أبدت سو كي اهتماماً ضئيلاً بـ”المصالحة”. ويتكون سكان بورما من خليط متشعب ومتعدد الديانات، والذي يضم عشرات الجماعات العرقية. ومع ذلك، لم يتم إهمال أي مجتمع في ذلك البلد أكثر من الروهينغا، الذين جردتهم الطغمة الحاكمة من حقوق المواطنة في العام 1982. وقد عاشوا في ظروف تشبه الفصل العنصري في راخين منذ ذلك الحين، ويرى المراقبون أن التمرد المتنامي هناك أقرب إلى أن يكون أعراض عقود من سوء المعاملة والاضطهاد الحكومي منه إلى الارتباط بازدهار الشبكات الإسلامية الإسلامية المسلحة على التراب البورمي.
حذرت الجماعات الحقوقية من ضعف أحوال طائفة الروهينجيا منذ بعض الوقت. وفي العام 2015، صنف متحف الهولوكوست في الولايات المتحدة بورما على أنها البلد الأكثر تعرضاً في العالم لخطر اختبار حملة للإبادة الجماعية.
وقال يانغي لي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في بورما، إن “على الزعيم بحكم الأمر أن يتدخل –هذا ما يجب أن نتوقعه من أي حكومة، حماية الجميع في إطار ولايتها”. وأشار إلى أن أكثر من 1000 فرد من عرق الروهينغا قتلوا خلال الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، ظلت سو كي صامتة بشكل لافت للنظر إزاء الفظائع التي تتناقلها التقارير، حتى بينما يصدر زعماء العالم وممثلو المنظمات الدولية دفقاً من البيانات. ويقول المدافعون عن سو كي، إن عليها السير على خط دقيق في التعامل مع الجيش البورمي، الذي كان قبل وقت ليس ببعيد سجانها، والذي يبقى متمتعاً بدعم دائرة تصبح أكثر نفوذاً بازدياد من القوميين البوذيين.
ولكن، بالإضافة إلى السنوات الطويلة من الصمت، لم ترفع سو كي أيضاً القيود الصارمة التي تفرضها الدولة على وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق مختلفة من بورما من التي تأثرت بالتمرد. كما لم تسمح السلطات لوسائل الإعلام المستقلة بإجراء تحقيق شامل في ما يحدث في راخين.
كتب كاتب العمود في صحيفة “الغارديان” جورج مونبيوت: “إنني أدرك أن القوات المسلحة تتمتع بقوة عظيمة في بورما، وأن أونغ سان سو كي لا تمارس سيطرة فعلية عليها. وأنا أدرك أن نطاق أعمالها محدود. ولكن، فضلاً عن عدد من التدابير العملية والقانونية التي يمكن أن تستخدمها مباشرة لكبح جماح هذه الفظائع، فإنها تمتلك قوة واحدة بوفرة: القدرة على الكلام. وبدلاً من توظيفها، فإن استجابتها ترقى إلى أن تكون خليطاً من الصمت، وإنكار الأدلة الموثقة جيداً على الانتهاكات، وعرقلة المساعدات الإنسانية”.
في واقع الأمر، كان مكتبها قد نفى في الماضي الادعاءات بممارسة الاغتصاب ضد الروهنجيا ووصفها بأنها “اختلاقات إرهابية”، كما قلل من شأن تقارير الأمم المتحدة وتقارير وسائل الاعلام الدولية التي فصَّلت معاناة الروهينغا واعتبرها مبالغات. وفي العام الماضي، قيل إنها طلبت من الولايات المتحدة عدم ذكر كلمة “الروهينغا”، في ما يعكس الموقف البورمي الرسمي الذي يقول إن العرق الذي يضم أكثر من 1.3 مليون شخص ليس له وجود رسمي.
عن موقفها، كتب مهدي حسن في “إنترسبت”: “بذلك يكون الصمت أقل خطاياها. إن الصمت يشير أيضا إلى الحياد المدروس”. وأضاف حسن: “ولكن، ليس هناك أي حياد في موقف أونغ سان سو كي. لقد اختارت الجانب الذي تصطف معه، وهو جانب القومية البوذية والخوف الخام من الإسلام”.