ألقى تقرير «الخدمة القانونية» في البرلمان الألماني (البوندستاغ) شكوكاً جدية حول شرعية قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فتح حدود بلادها أمام موجات اللاجئين سنة 2015. ويأتي الكشف عن التقرير من قبل صحيفة «دي فيلت»، الواسعة الانتشار، قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات النيابية المزمع تنظيمها يوم غد (الأحد). وجاء في التقرير، الذي قالت «دي فيلت» إنها تمتلك نسخة منه، أنه كان على المستشارة الألمانية طرح القرار على البرلمان للموافقة عليه، لأنه من مسؤولية البرلمان أساساً. كما لم تلتزم حكومة ميركل آنذاك بفقرة مهمة من قانون الهجرة واللجوء الألماني، ترفض قبول لجوء القادمين من بلدان ثالثة آمنة.
وواقع الحال أن الحكومة الألمانية تتعامل مع اليونان وإسبانيا، بل ومع تونس والمغرب، كبلدان ثالثة آمنة، في حين وصل معظم الوافدين الجدد، الذين بلغ عددهم المليون، عبر النمسا التي تعتبر أأمن من غيرها.
وكانت الحكومة الألمانية، ومن منطلقات إنسانية بحتة، بحسب تعبير ميركل، قد قررت فتح حدودها أمام اللاجئين في 4 سبتمبر (أيلول) 2015. وإذ اتفق الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الحليف في الحكومة، مع القرار باعتباره شريكاً في الحكم، لم يعترض الخضر واليسار على القرار لأسباب إنسانية ومبدئية، في حين رفض حزب البديل لألمانيا الشعبوي القرار.
وتتهم المعارضة الحكومة بالتسبب بصعود الحزب الشعبوي، وتصاعد نشاط التنظيمات اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب والإسلام، بسبب هذا القرار. ويشير تقرير الخدمة القانونية البرلمانية، وهي هيئة مستقلة، إلى أن ميركل لم تكشف حتى الآن عن الأسس القانونية التي اعتمدت عليها في اتخاذ القرار، ولم تهتم بطرحها بعد ذلك أيضاً. ويؤكد التقرير أن القرار من صلاحيات البرلمان الألماني، وليس من صلاحيات الحكومة، وكان على الأخيرة أن تستمع إلى رأي البرلمان قبل التنفيذ. والمشكلة هي أن المستشارة الألمانية، وحكومتها، لم يطرحا القانون للتصويت عليه في البرلمان بعد ذلك. ويستشهد التقرير بقرارات أخرى مماثلة لمحكمة الدستور الاتحادية، مثل القانون الذي يجيز لم شمل عائلات اللاجئين، التي اعتبرت البرلمان الألماني مسؤولاً عن اتخاذه، في حين أن المستشارة الألمانية تشاورت مع بعض وزرائها فقط، قبل أن تتخذ قرار فتح الحدود أمام اللاجئين.
وتجاهلت حكومة ميركل أيضاً قانون الهجرة واللجوء الذي يرفض طلبات اللاجئين الذين يفدون إلى ألمانيا عبر بلد ثالث. وهنا، لم تستشر الحكومة حكومات البلدان المجاورة المعنية بالأمر، مثل النمسا التي أصبحت الممر الآمن للاجئين.
وواقع الحال، بحسب تقرير «الخدمة القانونية»، لا يجوز استثناء لاجئ قادم من بلد ثالث آمن إلا بقرار من وزارة الداخلية، وهذا لم يحدث في ألمانيا عند اتخاذ قرار قبول لجوء آلاف اللاجئين. كما لم تلتزم الحكومة الألمانية سنة 2015 بقانون اللاجئين القادمين من بلدان أخرى، تعتبر نفسها آمنة بحسب تقارير وزارة الخارجية.
وعلقت سافيم داغدلين، من حزب اليسار، على التقرير بالقول إن على المستشارة الألمانية «احتراماً للبرلمان» أن تعرض موقفها من تقرير «الخدمة القانونية» أمام نواب البرلمان، وأضافت أن هذا يظهر مدى عفوية ميركل، ونائبها الاشتراكي زيغمار غابرييل، عند اتخاذهما قرار فتح أبواب الهجرة، ويظهر كيف أنهما عملا بهذا القرار على تعزيز مواقع حزب البديل لألمانيا.
وفي هذه الأثناء، يعزز حزب البديل لألمانيا مواقعه من خلال استطلاعات الرأي الألمانية. وبعد استطلاع الرأي من معهد «يو غوف»، الذي توقع نسبة 12 في المائة لهذا الحزب اليميني الشعبوي، كشف استطلاع للرأي أجراه «الباروميتر السياسي»، الذي تجريه القناة الثانية في التلفزيون الألماني (زدف)، أن هذا الحزب سينال نسبة 11 في المائة في الانتخابات.
وبينما يتراجع الحزب الديمقراطي الاشتراكي كثيراً، وفق الباروميتر السياسي، إلى مجرد 21.5 في المائة، يتحول الحزب الشعبوي إلى ثالث قوة برلمانية، وينال الاتحاد الديمقراطي المسيحي نسبة 36 في المائة، ويبقى أكبر كتلة برلمانية. كما ينال حزب اليسار نسبة8.5 في المائة، وحزب الخضر 8 في المائة، والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) نسبة 10 في المائة.
وربما لن يؤثر تقرير «الخدمة القانونية» في نتائج الانتخابات كثيراً، لكن حزب البديل لألمانيا سيكون المستفيد الوحيد من هذه «الفضيحة القانونية» التي تتعلق بموضوع المهاجرين. ومعروف أن هذا الحزب يركز حملته الانتخابية على موضوع العداء للهجرة واللاجئين والإسلام.
وسبق للحزب الليبرالي، وكذلك حزب البديل لألمانيا، أن أكدا، على انفراد، عزمهما الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خاصة بموضوع قرار فتح الحدود أمام اللاجئين سنة 2015. وقد يحقق الحزبان هذا الوعد في البرلمان المقبل، عند تخطيهما نسبة الـ5 في المائة اللازمة لدخول البرلمان، وواضح أن الحزبين سيحققان ذلك.